ربما باتت صواريخ المقاومة تصلها فعلاً وتدك مبانيها، وتصيب بدقةٍ أهدافاً كثيرةً فيها، وتلحق بها أضراراً كبيرةً في الأرواح والممتلكات، فضلاً عن الخسائر المادية المختلفة التي يتكبدها المستوطنون والحكومة، جراء إغلاق المؤسسات ووقف العمل في المصانع والمعامل، وإلغاء البرامج والأنشطة ورحلات السفر، ووقف العمل في المزارع والمناطق المكشوفة، وغيرها من المرافق الاقتصادية المتضررة، مع عدم إهمال العمليات اليومية الصغيرة والكبيرة التي تقع في مستوطنات الضفة الغربية والقدس، ولكن هذا هو حقنا الطبيعي، وهي ليست عدواناً ولا إرهاباً، ولا تخريباً عبثياً، ولا هي عملاً مقصوداً ضد المدنيين، بل هي مقاومة مشروعة قانوناً وعرفاً، وهي واجبة شعبياً ولازمة وطنية، ومحل تقديرٍ واحترامٍ أممي، وإن شوهها الاحتلال ووصفها بما يريد.
لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي تتعمد تشويه المقاومة وتبرئة نفسها، تلجأ إلى تصوير المناطق التي تسقط فيها صواريخ المقاومة الفلسطينية، وتركز على البيوت التي تصيبها، والدمار الذي يلحق بها، والآثار التي تخلفها، وتنقل صور مستوطنيها من النساء والأطفال وكبار السن، وهم في حالةٍ من الذعر والخوف الشديدين، وهم يسقطون على الأرض، ويتخبطون بأنفسهم ويتعثرون أثناء محاولاتهم الفرار من القصف، والهروب إلى الملاجئ والأنفاق، ويظهرونهم وهم يستلقون وينبطحون على الأرض، خوفاً من الصواريخ أو شظاياها، وتنقل كاميرات التصوير صراخهم وشكواهم، ولا تتردد في التركيز على بكاء بعضهم، أو تسليط الضوء على نحيب نسائهم وشكوى عجائزهم، وغير ذلك من المشاهد التي يعتقدون أنها مؤثرة إنسانياً، وتجلب التأييد الدولي لهم، وتتسبب بالغضب والسخط على الفلسطينيين.
كما تجول الكاميرات ووسائل الإعلام الإسرائيلية على المستشفيات والمراكز الصحية، وتتنقل بين أسرةِ المصابين وغرف الجرحى والمتضررين، تركز على إصاباتهم، وتعرض صوراً "مؤلمة" عن حالتهم، وتجري مقابلاتٍ معهم، وتستمع إلى رواياتهم وتعليقات أسرهم وأطفالهم، وتنقل إلى الحكومة الإسرائيلية والعالم شكواهم ومطالبهم الأمنية والإنسانية والاقتصادية، وحاجتهم إلى الحماية والرعاية، ولأن قوى المقاومة الفلسطينية أصبحت على مقربةٍ منهم، أو تحت الأرض في الأنفاق أسفل بيوتهم ومدارسهم وأسواقهم ومحلاتهم، فهم يحرضون حكومتهم وجيش كيانهم على الرد والقصف، لوقف إطلاق الصواريخ على بيوتهم ومؤسساتهم، التي حولت حياتهم إلى جحيمٍ لا يطاقٍ.
توزع المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية الرسمية والخاصة، والأمنية والعسكرية التابعة إلى وزارة الحرب والأجهزة الأمنية، والتي يديرها خبراء ومختصون قديرون في مختلف العلوم الاجتماعية والنفسية والسيكولوجية والإعلامية، صور "ضحايا العدوان الفلسطيني" إلى كبريات المؤسسات الإعلامية الدولية، وإلى وكالات الأنباء العالمية، التي تتنافس في نشر الصورة ونقل الخبر، لتقوم بإعادة نشر المواد الإعلامية إلى جميع المؤسسات الإعلامية الأخرى في العالم، باللغات العالمية الحية وبالمحلية والدارجة، ليتسنى للعالم كله أن يطلع على روايتهم، وأن يستمع إلى قصتهم، وأن يرى الخبر من زاويتهم، ليتعاطف معهم ويقف إلى جانبهم، ويبرر لهم الحملات العسكرية المسعورة ضد الفلسطينيين، حيث يصورون عدوانهم الهمجي
على قطاع غزة خصوصاً بأنه دفاعٌ مشروعٌ عن النفس، وأن من حق "إسرائيل كدولةٍ مستقلةٍ" أن تدافع عن مستوطنيها، وأن تعمل ما أمكنها لحمايتهم ورد الاعتداء عنهم.
لا أعتقد أنه يوجد في العالم كله شخصٌ عاقلٌ أو مؤسسةٌ حكيمةٌ، أو حكومةٌ فاضلةٌ، أو هيئةٌ دولية عادلةٌ أو منظمة أممية نزيهةٌ، تصدق الرواية الإسرائيلية، وتبرئ الاحتلال من الجرائم اليومية التي يرتكبها بحق الفلسطينيين، ولا ترى حجم الفضائع التي يرتكبها جيشه، والفواحش التي يقترفها مستوطنوه، فالاحتلال الإسرائيلي موسومٌ بالقتل ومعروفٌ بالظلم، ومشهودٌ له بالعدوان، ولا يخفى على العالم كله ما يقوم به، ولكنه كيانٌ انتهازي يقوم على التهديد والابتزاز، والكذب والتضليل والخداع، ويلجأ إلى التزوير والتشويه والادعاء، فتخضع له الدول، وتنفذ مئيشته الحكومات، ولو كان في مواقفها ظلمٌ وافنئاتٌ، وانحيازٌ وعدم اتزان، فلا تخيفنا دعاية العدو، ولا تربكنا أكاذيبه، ولا تضعف من عزيمتنا أحابيله، فسيبقى هو العدو المجرم القاتل، وسنبقى نحن مقاومون شرفاء وأصحاب قضيةٍ عادلة، حتى تتحقق عودتنا وتقوم دولتنا، وترتفع فوق تلالها وعلى رباها راياتنا المظفرة وأعلامنا المنتصرة.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي